حقبة الأرجنتين ما بين مارادونا وميسي كانت مرحلة مليئة بالتحديات والتحولات. بعد اعتزال الأسطورة دييغو مارادونا، الذي قاد المنتخب إلى المجد في كأس العالم 1986، عاشت الأرجنتين فترة من الفوضى الكروية والصراعات داخل الفريق، حيث عجزت عن تكرار إنجازاته الكبيرة.
ومع بداية الألفية الجديدة، ظهر الصغير ليونيل ميسي، الذي سرعان ما أصبح النجم الأبرز في عالم كرة القدم، ليعيد للتانجو أمجادها. ولكن بين الحقبتين، مرت الأرجنتين بفترات من الإخفاقات في البطولات الكبرى، حيث كانت تحاول إيجاد التوازن بين جيل ما بعد مارادونا وجيل ميسي، قبل أن يحقق المنتخب نجاحات جديدة في ظل قيادة البولغا.
الأرجنتين : حقبة المدرب دانييل باساريلا
بعد الإقصاء المفاجئ للمنتخب الأرجنتيني في مونديال 1994 تحت إشراف المدرب أوسكار روجيريو باسيلي، قرر الأخير الاستقالة من منصبه، ليحل محله المدرب دانييل باساريلا. ومع قدوم باساريلا، الذي كان معروفًا بصرامته العسكرية، بدأت رحلة التانجو تحت قيادته، ولكن البداية لم تكن جيدة. في كوبا أمريكا 1995 و1997، فشل الفريق في تجاوز دور ربع النهائي، مما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إلى المدرب.
تميز باساريلا بفرض نظام صارم على لاعبيه، حيث طلب منهم حلاقة شعر رؤوسهم، خاصة أصحاب الشعر الطويل، وكان يهدد باستبعاد أي لاعب يرفض الامتثال لهذا القرار. هذا التوجه العسكري أدخل المدرب في صدامات مع العديد من اللاعبين، وكان أبرزها مع نجم الفريق ريدوندو، الذي رفض القص وأعلن اعتزاله اللعب دوليًا في حال استمرار باساريلا كمدرب.
علاوة على ذلك، كانت العلاقة بين باساريلا ودييغو مارادونا متوترة بشكل كبير. حيث شاع أن مارادونا كان وراء اعتزال باساريلا اللعب دوليًا في الثمانينيات، باستخدام نفوذه في الفريق. وعندما طلب البعض من مارادونا العودة للمنتخب في 1998، علّق باساريلا ساخرًا بأنه إذا عاد مارادونا، فإنه هو أيضًا سيعود للعب.
وفي كأس العالم 1998 بفرنسا، نجح المنتخب الأرجنتيني في تصدر مجموعته، لكنه اصطدم في دور الـ16 بإنجلترا، حيث انتهت المباراة بالتعادل 2-2 بعد الوقتين الأصلي والإضافي، ليحسم الأرجنتينيون التأهل بركلات الترجيح. ومع ذلك، توقفت مسيرة الفريق في دور ربع النهائي أمام المنتخب الهولندي، الذي فاز بهدف قاتل من دينيس بيركامب.
وبعد هذه الخيبة، وتحميله مسؤولية الخروج المبكر، قرر باساريلا الرحيل عن تدريب المنتخب،تاركًا خلفه ذكريات متناقضة ومشاكل مع بعض اللاعبين، مما جعل فترة حكمه تثير الكثير من الجدل في تاريخ الكرة الأرجنتينية.
الأرجنتين : حقبة المدرب مارسيلو بيلسا
تجدد فشل منتخب التانغو في بطولة كوبا أمريكا 1999، وهذه المرة تحت قيادة المدرب مارسيلو بيلسا، حيث ودع الفريق البطولة من دور ربع النهائي بعد خسارته أمام غريمه التقليدي البرازيل. ورغم الأمل الكبير في استعادة الأمجاد، كانت هذه البطولة مجرد حلقة أخرى في سلسلة من الإخفاقات.
ثم جاء القرار المفاجئ بالانسحاب من بطولة كوبا أمريكا 2001 في كولومبيا، بعدما تعرض عدد من اللاعبين لتهديدات أمنية، وهو ما أثار جدلاً كبيرًا في الوسط الرياضي. في تلك الفترة، بدأ نجم لاعب بوكا جونيورز، خوان رومان ريكيلمي، في التألق ليصبح أحد أبرز النجوم في البلاد.
ريكيلمي كان يُنظر إليه كأمل جديد للمنتخب، وكان يُتوقع أن يكون خليفة مارادونا في وسط الملعب. لكن، المفاجأة كانت في استبعاد بيلسا لريكيلمي من حسابات المنتخب في كأس العالم 2002 في كوريا واليابان، رغم أن اللاعب كان في قمة عطائه مع بوكا جونيورز. لم تقدم تبريرات واضحة لهذا الاستبعاد، مما أثار استياءً واسعًا بين الجماهير والمراقبين.
وجاءت كأس العالم 2002 لتكون واحدة من أسوأ مشاركات الأرجنتين في تاريخ البطولة. رغم التوقعات الكبيرة، فشل المنتخب في تجاوز دور المجموعات، ليغادر البطولة مبكرًا في واحدة من أكثر المفاجآت المدوية في تاريخ المونديال.
ورغم هذا الفشل الكبير، جدد الاتحاد الكروي الثقة في بيلسا، ليقوده في بطولة كوبا أمريكا 2004. في تلك البطولة، وصل الأزرق إلى المباراة النهائية، لكنّه خسر أمام البرازيل بركلات الترجيح، ليواصل الفريق البحث عن اللقب الذي طال انتظاره.
بعد الخسارة، قرر بيلسا تقديم استقالته، مُنهيًا فترة مليئة بالآمال والخيبات، مما جعل الجماهير تشعر بخيبة أمل جديدة.
الأرجنتين : حقبة المدرب خوسيه بيكرمان
بعد الإخفاقات التي شهدها المنتخب الأرجنتيني في فترة مارسيلو بيلسا، تم تعيين خوسيه بيكرمان مدربًا جديدًا في عام 2004، ليخلف مواطنه. ومنذ البداية، كان بيكرمان حريصًا على إعادة بناء الفريق، وكان من أول قراراته استدعاء النجم خوان رومان ريكيلمي، ومنحه الثقة الكاملة لقيادة خط الوسط في مونديال 2006 في ألمانيا.
هذا القرار أثبت صوابيته، حيث قدم التانغو أداءً مميزًا في دور المجموعات، وتصدر المجموعة بفارق الأهداف عن هولندا، كما شهدت البطولة أول أهداف الشاب ليونيل ميسي في مسيرته المونديالية.
وفي دور الـ16، واجهت الأرجنتين منتخب المكسيك في مباراة مثيرة امتدت إلى الأشواط الإضافية، حيث سجل رودريجيز هدفًا عالميًا منح الأرجنتين التأهل.
ولكن، في ربع النهائي، اصطدم التانغو بمنتخب ألمانيا، الذي كانت له الكلمة الأخيرة. تقدم المنتخب الأرجنتيني بهدف مبكر عن طريق إيالا في بداية الشوط الثاني، لكن قبل نهاية المباراة بعشر دقائق، أدرك ميروسلاف كلوزه هدف التعادل للألمان، ليتم حسم اللقاء في ركلات الترجيح لصالح ألمانيا.
بعد الخروج الموجع من البطولة، تعرض بيكرمان لانتقادات شديدة من الصحافة والجماهير بسبب قراراته التكتيكية في المباراة ضد ألمانيا. كان أبرزها التبديل الذي وصفته الصحافة بـ “أسوأ تبديل في تاريخ التانجو”، وهو استبدال ريكيلمي بإستيبان كامبياسو قبل 20 دقيقة من نهاية المباراة، ما أثار غضب الكثيرين.
بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك حالة من الاستغراب بشأن جلوس ليونيل ميسي على مقاعد البدلاء طيلة المباراة، رغم تألقه في الدقائق القليلة التي لعبها، مما جعل البعض يتساءل عن سبب عدم إشراكه بشكل كامل.
لكن مع مرور الوقت، ظهرت رواية أخرى تقول إن ميسي كان يعاني من إصابة ولم يكن في حالته البدنية الجيدة، وهو ما أكده ليوناردو كوفري، أحد مساعدي بيكرمان، في تصريح لقناة “تي إن تي” الأرجنتينية، حيث قال: “ليونيل ميسي كان مصابًا، بل كان لا يستطيع الركض أصلاً، ولذلك لم يشارك في تلك المباراة.”
وبسبب هذه الضغوط الشديدة من الإعلام والجماهير، واعتقاد البعض أنه كان المسؤول عن إخفاق المنتخب في تجاوز ربع النهائي، قرر خوسيه بيكرمان الاستقالة من منصبه بعد كأس العالم 2006، تاركًا وراءه منتخبًا مليئًا بالموهوبين، ولكنه فشل في تحقيق الأهداف الكبيرة التي كانت تطمح إليها الأرجنتين.
الأرجنتين : مدرب الطوارئ باسيلي
بعد فترة من الفشل والإخفاقات مع المدربين السابقين، عاد باسيلي لتولي قيادة المنتخب الأرجنتيني في بطولة كوبا أمريكا 2007. قدم الألبيسيليستي أداءً جيدًا خلال البطولة وحققوا نتائج مميزة في المراحل الأولى، مما مهد لهم الطريق للوصول إلى المباراة النهائية. كان المنتخب الأرجنتيني تحت قيادة باسيلي مرشحًا قويًا للفوز باللقب، خاصة مع وجود لاعبين من أمثال ريكيلمي و ماسكيرانو و ميسي، وبالنظر إلى المستوى العالي الذي قدموه في البطولة.
لكن في المباراة النهائية، شهدت الأرجنتين هزيمة قاسية وغير متوقعة من البرازيل بثلاثة أهداف نظيفة، ما شكل صدمة كبيرة للجماهير الأرجنتينية التي كانت تتوقع تتويج منتخبها باللقب. هذا الفشل في المباراة النهائية دفع اتحاد كرة القدم الأرجنتيني إلى اتخاذ خطوة مفاجئة، حيث قرروا إقالة باسيلي بعد خسارة البطولة.
مارادونا مدربا لمنتخب الأرجنتين
ما فاجأ الجميع هو تعيين دييغو أرماندو مارادونا مدربًا للمنتخب الأرجنتيني بعد رحيل باسيلي، في خطوة اعتُبرت بمثابة بداية لحقبة جديدة تمامًا في كرة القدم الأرجنتينية. لكن هذا التعيين لم يكن مجرد تغيير على المستوى الفني، بل كان له تأثير عاطفي كبير في الأرجنتين. فبعد تعيين مارادونا، أعلن خوان رومان ريكيلمي، قائد خط الوسط النجم، اعتزاله اللعب الدولي بشكل مفاجئ.
وفي تصريح له، أرجع ريكيلمي قراره إلى أنه لا يتشارك مع مارادونا نفس طريقة التفكير والمفاهيم الكروية، مما جعل علاقته بالمدرب الجديد مستحيلة، رغم أنه كان أحد أبرز لاعبي المنتخب في السنوات السابقة.
رحيل ريكيلمي وقرار اعتزاله اللعب دوليًا كان بمثابة نهاية حقبة كاملة من الانسجام بين اللاعب والمدرب في المنتخب الأرجنتيني، وبدء فصل جديد بقيادة مارادونا الذي كان يطمح لتحقيق البطولات الكبيرة رغم التحديات التي واجهها.