في مونديال قطر الماضي، كانت المشاركة السادسة للمنتخب السعودي في كأس العالم، بعد تأهله لأول مرة في عام 1994. شارك المنتخب بعد ذلك في ثلاث نسخ متتالية، قبل أن يغيب عن نسختي 2010 و2014، ليعود مجددًا في مونديال روسيا 2018. في هذه المقالة، سنستعرض مسار الأخضر السعودي في مشاركاته السابقة في بطولة كأس العالم.
نقطة البداية: المنتخب السعودي في كأس العالم 1994 الولايات المتحدة الأمريكية
لم يكن مونديال 1994 في الولايات المتحدة حدثًا عاديًا بالنسبة للأخضر السعودي، بل كان محطة تاريخية، حيث شهد التأهل الثاني لمنتخب عربي إلى المونديال، وأصبح أول منتخب آسيوي يتجاوز دور المجموعات في نهائيات كأس العالم. اعتُبرت السعودية ظاهرة كروية عربية بفضل مشاركتها المتواصلة في أربعة مونديالات دون انقطاع منذ عام 1994.
في مونديال أمريكا، بدأ الأخضر مشواره بخسارة أمام منتخب هولندا بنتيجة 2-1، حيث سجل فؤاد أنور أول هدف سعودي في تاريخ المونديال في مرمى الطواحين. لكن الفريق استعاد توازنه سريعًا، وحقق فوزًا على المغرب بنفس النتيجة (2-1) بتوقيع كل من سامي الجابر وأمين.
تبع ذلك فوز تاريخي على بلجيكا بهدف نظيف، حيث يُعتبر هدف سعيد العويران من أجمل الأهداف في تاريخ كأس العالم. انطلق العويران من منتصف الملعب، مراوغًا لاعبي بلجيكا، ليحقق هدفًا أذهل الجماهير ويؤهل منتخب بلاده إلى دور الـ16.
وفي وصفه للحظة تسجيل الهدف، قال العويران: “قبل تسجيل الهدف بلحظات، كنت أفكر في كيفية إنهاء اللقاء، خاصة أن توقعات الكومبيوتر قبل المباريات كانت تشير إلى فوز بلجيكا 12-0. لكنني أحرزت الهدف بعد خمس دقائق من البداية. لم أفكر في قيمته كهدف عالمي تاريخي، بل كنت أشعر بالقلق من إمكانية خسارتنا وأن يسجلوا هدف التعادل.”
كانت هذه اللحظات بداية لعصر جديد لكرة القدم السعودية، حيث وضعت المملكة نفسها على الخريطة العالمية.
في دور الـ16، ودع المنتخب السعودي البطولة بالخسارة أمام منتخب السويد بنتيجة 3-1. ورغم هذه الخسارة، فإن المشاركة كانت تاريخية، حيث أصبح المنتخب السعودي ثاني منتخب عربي يصل إلى هذا الدور بعد المغرب. كما أن الأخضر السعودي لم يتغيب عن ثلاث دورات متتالية.
مشوار مونديالي 1998 و 2002
دخل المنتخب السعودي مونديال 1998 منتشيًا بالإنجاز الكبير الذي حققه في المونديال الأمريكي. كانت المباراة الأولى أمام الدنمارك، وكان يجب أن تكون نقطة الانطلاق نحو الدور الثاني. ورغم أن الشوط الأول كان متكافئًا بين الفريقين، إلا أن المنتخب السعودي لم يظهر بالمستوى المتوقع. وفي الشوط الثاني، وعلى عكس التوقعات، تلقى مرمى الأخضر هدفًا، ولم يظهر أي رد فعل يذكر، ليخسر في أولى مبارياته.
ثم واجه المنتخب السعودي البلد المنظم، المنتخب الفرنسي، أحد المرشحين الأقوياء للفوز باللقب، مما جعل التأهل للدور الثاني في غاية الصعوبة. وتجرع الأخضر هزيمة قاسية بنتيجة 4-0، لتكون هذه النتيجة هي الأقسى لمنتخب عربي في تاريخ المشاركات العربية في المونديال حتى ذلك الحين. وبعد المباراة مباشرة، تم إقالة المدرب بيريرا.
دخلت السعودية المباراة الثالثة ضد جنوب أفريقيا تحت إدارة المدرب محمد الخراشي، ليكون أول سعودي يقود المنتخب في مباراة بكأس العالم. وانتهت المباراة بالتعادل الإيجابي 2-2، ليودع الأخضر مونديال فرنسا من دور المجموعات.
في مونديال اليابان وكوريا الجنوبية 2002، كانت هذه المشاركة هي الثالثة على التوالي للمنتخب السعودي في بطولة كأس العالم. بدأت السعودية مشوارها بمواجهة منتخب ألمانيا، وكانت الهزيمة متوقعة نظرًا لقوة الفريق الألماني الذي كان دائمًا مرشحًا للفوز في كل بطولة. بدأت المباراة بشكل متوازن في ربع الساعة الأولى، لكن سرعان ما كشرت ألمانيا عن أنيابها، وانتهت المباراة بخسارة قاسية للسعودية بنتيجة 8-0، حيث سجلت ألمانيا 4 أهداف في كل شوط.
لم ينجح الأخضر السعودي في وقف “ماكينات” الأهداف الألمانية، ولم يتمكنوا من تهديد مرمى الحارس أوليفر كان بأي كرة. اعتبرت هذه الخسارة يومًا أسود للكرة العربية، حيث كانت أكبر هزيمة في تاريخ مشاركات العرب في كأس العالم.
بعد هذه الهزيمة الثقيلة، عانت السعودية من جراحها ولم تتمكن من التعافي، حيث خسرت مباراتها الثانية أمام الكاميرون بهدف نظيف سجله النجم صامويل إيتو. ومع هذه الهزيمة الثانية، فقد المنتخب السعودي أي أمل في التأهل إلى الدور الثاني.
في المباراة الثالثة أمام منتخب أيرلندا، حاول السعوديون الإبقاء على ذكرى سعيدة من هذه المشاركة السيئة، لكن ذلك لم يتحقق، حيث خسروا بثلاثية نظيفة. بهذه النتائج، خرج الأخضر من البطولة بعد تلقيه 12 هدفًا، دون أن يحصد أي نقطة أو يسجل أي هدف، مما جعل هذه المشاركة هي الأسوأ في تاريخ المنتخب السعودي وأي منتخب عربي.
مشوار مونديالي 2006 و2018
في مونديال 2006 بألمانيا، كانت أولى مباريات الأخضر السعودي قمة عربية أمام منتخب تونس. سيطر نسور قرطاج على الشوط الأول وترجموا أفضليتهم بهدف نظيف أنهى به الفترة الأولى. لكن السعوديين عادوا في الشوط الثاني، حيث أحرزوا هدفين متتاليين. وقبل انتهاء المباراة بخمس دقائق، سجل منتخب تونس هدف التعادل، ليكون التعادل غير مفيد للطرفين.
في مباراتهم الثانية، واجه منتخب السعودية نظيره الأوكراني بقيادة شيفشينكو. تلقى الأخضر هدفًا مبكرًا أعاد للأذهان الهزيمة الثقيلة أمام ألمانيا، حيث سيطر الفريق الأوكراني على الشوط الأول وأنهى المباراة بفوز ساحق 4-0. هذه الهزيمة كانت ثقيلة، ولم يبقَ أي أمل للأخضر بالتأهل إلى ثمن النهائي. ثم واجهوا منتخب إسبانيا في المباراة الثالثة، حيث خسروا بهدف نظيف، ليخرج المنتخب السعودي من المونديال بنقطة واحدة فقط من تعادل.
بعد غياب عن نسختي 2010 في جنوب أفريقيا و2014 في البرازيل، عادت السعودية للمشاركة في مونديال روسيا 2018، حيث كانت هذه خامس مشاركات الأخضر في البطولة. خاض المنتخب مباراة الافتتاح أمام البلد المنظم، وخرجوا بخسارة ثقيلة بلغت خمسة أهداف دون رد.
في المباراة الثانية، خسروا أمام منتخب الأوروغواي بهدف نظيف، ليودعوا المسابقة رسميًا،لكن على عكس مباراتهم الافتتاحية.
ظهر المنتخب السعودي بأداء أفضل في المباراة الثالثة أمام المنتخب المصري، حيث استطاعوا تحقيق الفوز لأول مرة منذ مشاركتهم الأولى في 1994، بنتيجة 2-1 بتوقيع سلمان الفرج وسالم الدوسري. أنهى الأخضر هذه المشاركة المونديالية في المركز الثالث في مجموعته.
كأس العالم قطر 2022: صورة رائعة للأخضر السعودي
بعد تولي الفرنسي هيرفي رينارد تدريب المنتخب السعودي، حقق الفريق نتائج إيجابية قبل العرس العالمي من أصل 27 مباراة فاز في 15 مباراة، وتعادل في 8، وتلقى الهزيمة في 4 مباريات. تمكن الثعلب الفرنسي من قيادة المنتخب إلى مونديال قطر 2022 بعد مشوار مميز في التصفيات، مما رفع آمال المشجعين في تحقيق مشاركة مميزة ومشرفة. لقد أسهمت استراتيجياته وتكتيكاته المدروسة في تعزيز روح الفريق ورفع مستوى الأداء، مما جعل الجماهير تتطلع إلى ما ستسفر عنه البطولة.
شهدت بطولة كأس العالم 2022 في قطر مشاركة مميزة للمنتخب السعودي، حيث قدم أداءً رائعًا، لفت الأنظار إلى قدراته وإمكانياته. كانت المباراة الأولى أمام الأرجنتين، وهي واحدة من أبرز اللحظات في تاريخ الكرة السعودية.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهها الأخضر السعودي أمام منتخب الأرجنتين، المرشح القوي للفوز باللقب ومدجج بأفضل لاعب في العالم، ليونيل ميسي، إلا أن السعوديين انتفضوا في الشوط الثاني ليحققوا مفاجأة تاريخية. بعد أن تفوق الأرجنتينيون في الشوط الأول، تمكن الأخضر من إدراك التعادل في الدقيقة 49 عن طريق صالح الشهري، قبل أن يسجل سالم الدوسري هدفًا رائعًا وتاريخيا في الدقيقة 53 بتسديدة قوية لم تترك أي فرصة للحارس مارتينيز. كانت تلك اللحظات مؤثرة للغاية، حيث أبرزت روح الفريق وعزيمة اللاعبين.
ورغم الخسارة امام بولندا والمكسيك وتوديع المسابقة من دور المجموعات الا ان الوجه الذي ظهرت به كتيبة هيرفي رينارد كانت مبشرة جدا وأظهرت الاخضر بطريقة مشرفة جدا ،وكذلك التاريخ سيكتب أن المنتخب الذي استطاع الاطاحة ببطل العالم في دورة قطر 2022 وهو المنتخب السعودي.